مواضيع مهمة

مدارس علم النفس
ملخص ميادين علم الإجتماع
طبيعة واهداف علم الاجتماع
عرض حول علم الاجتماع الحضري

الاثنين، 31 أكتوبر 2016

خلاصة كتاب العلم و السياسة بوصفهما حرفة

خلاصة كتاب  العلم و السياسة بوصفهما حرفة



بخصوص هذا المجلد الأول الذي يضم محاضرتين ألقاهما تباعا في أواخر عام 1918 وهما مشروع ماكس فيبر للدولة الألمانية المهزومة بعد الحرب الأولى تحت عنوانين: «العلم بوصفه حرفة» و«السياسة بوصفها حرفة»، فقيمتهما المضاعفة أنه ألقاهما في شهور الاضطراب والثورات التي أعقبت سقوط الحكم القيصري وشيوع الفوضى والصراع على المستقبل بين التيارات السياسية المتنافسة. كان النظام القديم تهاوى، ومعالم الوضع الجديد لما تبزغ. والشبان المجندون العائدون من الجبهات المنهارة، هم الذين احتلوا الشوارع مكتسبين قوى وتطلعات، ومنشئين سلطات بين برلين وميونيخ.
إلى هذه القوى الجديدة توجه ماكس فيبر بهاتين المحاضرتين. وبالنظر إلى هذه الاعتبارات والظروف فإن المفاجئ ليس الجديد الثوري الذي أتى به، بل إصراره على البقاء في الأطر المعرفية البازغة مع الرأسمالية المعقلنة وأصولها الاجتماعية والثقافية....
لقد رأى فيبر السوسيولوجي المعني بالفهم وبناء المفاهيم أن أوروبا تقوم على ثنائية العلم والعمل السياسي. العلم باعتباره معرفة، وباعتباره تقنية وتقدما واحترافا، والعمل السياسي باعتباره مشاركة في إدارة الشأن العام، وباعتباره حرفة واختصاصا. اختار فيبر لمحاضرته «العلم بوصفه حرفة» بداية مقارنة بين بناء المؤسسات الجامعية وأنظمتها في ألمانيا والولايات المتحدة. أما التجربة الألمانية فقد اعتمد فيها على خبرته هو مع تلك المؤسسات. وأما التجربة الأميركية فقد اعتمد في عرضها على الزيارة التي قام بها إلى الولايات المتحدة على مدى شهرين ونصف الشهر صيف 1904، كما على قراءاته بهذا الشأن وتجارب زملائه وأساتذته الذين هاجروا إلى هناك. فالمتخرج بالدكتوراه الأولى بأحد الاختصاصات في العلوم الإنسانية أو الاجتماعية بألمانيا يكون عليه العمل لسنوات قد تطول من دون أجر في أحد معاهد التعليم العالي بالبلاد. وخلال تلك الفترة التي تتضمن مغامرة ومجازفات يتاح له إذا كان محظوظا العمل على شهادة التأهل التي تمكنه من الحصول على منصب بإحدى الجامعات، خارج الجامعة التي حصل فيها على شهادته الأولى 
.
إن الاحتراف أو صنعة العلم بألمانيا شاقة وتقتضي صبرا وجلدا لا يتحمله إلا الأقلون. ويلاحظ فيبر هنا أنه بسبب هذا المسار غير المؤكد اتجهت الجامعات الألمانية في العلوم البحتة والتطبيقية إلى الطريقة الأميركية في التوظيف منذ البداية، حرصا على تسيير المؤسسات، وحرصا أيضا على إحراز التقدم في المجالات العلمية والعملية التي تتطلبها الاحتياجات الاجتماعية، والمسارات التي تقتضيها المعارف الحديثة من تكاليف وأعباء ومختبرات وأدوات أخرى كثيرة، والتي لا يجدي فيها دائما الجهد والصبر الشخصي الفردي مهما بلغ طوله. أما في التقليد الأميركي، فإن المتخرج يحصل على وظيفة بعد الدكتوراه مباشرة. والحصول على وظيفة المساعد ليست بديهية بالطبع لأنها تدخل في مسار التنافس، لكن لا مقارنة بين الجهد التنافسي، وذلك الذي يتعرض له المتخرج الألماني الذي عليه أن يكون بارعا في التدريس ليحظى بسمعة بين الطلاب، وفي البحث العلمي لكي يجتاز مناقشات التعيين، وهذان أمران لا يتوافران دائما أو في الغالب لدى الشخص المتقدم الواحد.
يسارع فيبر إلى موضوعه الأثير، وهو الإحساس الداخلي الغلاب، أو الشغف. فيقول: «العلوم تتجه إلى التخصيص الضيق الدقيق، بحيث يصبح من العسير الإبداع من طريق الموسوعية التي تقتضيها العلوم الاجتماعية أحيانا. فلا بد لكي تحقق تقدما ملموسا، من المضي بشغف في موضوع أو موضوعين وعلى مديات متمادية عمرا وجهدا. والعمل العلمي مقيد بعجلة التقدم ومساره، بينما لا يوجد في ميدان الفن تقدم بالمعنى ذاته، ولذا فقد يبقى العمل الفني ويخلد، بينما يجري تجاوز الإنجازات العلمية، إما بالتقادم أو لثبوت الخطأ. وهذا الأمر يطرح السؤال عن معنى العلم. فالمرء يمارس العمل العلمي لأغراض عملية بحتة. بيد أن الأكاديمي يزعم أنه يمارسه من أجل العلم ذاته. وليس لينتفع به شخصيا أو الآخرون. إن عمليات (التعقيل) هذه أزالت سحر العالم، ووطدت الاقتناع بأن كل ظاهرة يمكن فهمها وبالتالي العمل على التحكم بها بالتعقيل والضبط، لكنها لا تلبث باستمرار التقدم أن تتجه بيقينيتها إلى الزوال أو التجاوز». المعنى أو الحقيقة النهائية لا تلبث أن تتفلت منا في كل مرة. فماذا يجب أن نعمل، وكيف ينبغي لنا أن نعيش؟ في الزمن الأخير هناك من يذهب إلى الموضوعية المتطرفة باعتباره العلم الصحيح الخالي من الافتراضات الضرورية. وفي النهاية ينبغي القول إن هذه القضية لا حل لها، لأن العلم لا يطرح أسئلة من هذا القبيل، ويلاحظ أن الأسئلة إنما هي عن الأشكال والأدوات، وليست عن الحقائق والجواهر. ومن دون مقدمات يطرح فيبر السؤال عن مهمة العالم أو الأستاذ في قاعة الدرس: «هل عليه أن يتخذ موقفا سياسيا أو اجتماعيا حتى لو كان ذلك داخلا ضمن نطاق اختصاصه؟». ويجيب: «إن اتخاذ موقف سياسي وعملي هو شيء، والقيام بتحليل علمي للبنيات السياسية ومواقف الأحزاب شيء آخر تماما. الموقف السياسي من وقائع راهنة من مهام الداعية ولا مكان لها على المنبر الجامعي. فالمهمة الأولى للمعلم النافع هي في تعليم طلابه الاعتراف بحقائق غير ملائمة والإقرار بوجودها. والطلاب الذين يتطلبون من أساتذتهم مواقف إنما يتوقون إلى قائد وليس إلى معلم. فالمساهمة الإيجابية التي يسديها العلم إلى الحياة العملية هي إلقاء الضوء وإسداء الوضوح أو إكسابه. وهذه هي حدود النزاهة في تأدية الواجب وتوليد الإحساس بالمسؤولية. لكننا حين نبحث الفارق بين العالم والداعية يعرض لنا السؤال التالي: هل اللاهوت علم؟ ويلاحظ فيبر أن كل الديانات تتضمن لاهوتا. ومن ناحية الشكل اللاهوت يستوفي شروط العلم، لأنه يتضمن عقلنة وتقعيدا. لكن اللاهوت يملك إضافات خاصة بالمؤمنين تتصل بالخلاص وهذه تدخل في باب الإيمان. فالفضيلة الوحيدة داخل قاعات المحاضرات الجامعية هي فضيلة الاستقامة الفكرية المجردة». أمّا في محاضرته «السياسة بوصفها حرفة»، فيعرف السياسة بأنها مهنة تتناول أنماط النشاط في سائر الحقول. بيد أنه معني من بين سائر السياسات بإدارة الاجتماع السياسي الذي يسمى دولة، وبالتأثير الذي تمارسه هذه السياسة أو تلك على الإدارة. والدولة في أخص خصائصها هي جهاز يحتكر العنف المشروع في إقليم معين. وبذلك فإن السياسة تكون: مجمل الجهود المبذولة بهدف المشاركة في السلطة أو التأثير في توزيعها. وهكذا فإن السياسي هو كل إنسان يمارس العمل العام طموحا للسلطة، إما لأنه يعتبرها وسيلة لخدمة أهداف أخرى مثالية أو أنانية، أو لأنه يريدها لذاتها على سبيل الاستمتاع.
ومن هذا التحديد للدولة بأنها صاحبة الحق الحصري والمشروع في ممارسة السيطرة على بقعة معينة، والذي يقوم بذلك، سواء أكان فردا أو جماعة هو السياسي تتجلى الشروط والظروف التي تجعل من ذلك العنف أو الإرغام مقبولا ومشروعا، فذكر الأنماط الثلاثة للسلطة وهي: النمط التقليدي (البطريركية، الإقطاعية). النمط الكاريزمي الذي يعتمد على السحر الشخصي لفرد معين (زعيم حزب، ملك، بطل، ديماغوجي). والنمط الثالث: هو السيطرة القانونية التي يمارسها الممسكون بزمام الأمور في الدولة الحديثة. ولا توجد هذه الأنماط بشكل صاف، كما أنها لا تنفصل عن بعضها بشكل مطلق أيضا، وهي من حيث البنية والعلائق المتشابكة تتأثر بالعوامل الخارجية والداخلية.
وينتقل فيبر إلى الوسائل والأدوات التي تحتاج إليها السلطة لإنفاذ مقتضيات سطوتها. ذلك أن كل مشروع سلطوي يتطلب استمرارا إداريا، وتوجيها لنشاط الرعايا باتجاه الطاعة الواجبة، والتصرف بالوسائل المادية. ويبحث فيبر في الاحتراف السياسي. فالمرء إما أن يعيش من أجل السياسة، وإما أن يعيش من السياسة، ولذلك صلة بالمسألة الاقتصادية. فالذي يعمل من أجل السياسة ينبغي أن يكون مرتاحا اقتصاديا حتى لا يهتم بوسائل العيش كل الوقت. ويعتبر فئة المحامين أكثر تأهلا للعمل السياسي المحترف لارتباط اختصاصهم الوثيق بالعمل العام من حيث العلاقة بالجمهور، ومن حيث الخطاب. والمعنى المقصود أن المشروع السياسي ينبغي أن يوفر للقائمين فيه وعليه دخلا منتظما.
ويصر فيبر على أن الظواهر الجديدة، مثل ظاهرة الحزب السياسي لا تقطع مع السابق، وإنما تشكل تحولا في الظاهرة. فالحزب السياسي الحديث، والذي يعتمد على الانتساب الحر والالتزام الطوعي ظاهرا، إنما هو تطور عن حزبيات سابقة مثل معسكرات النبلاء ببريطانيا. فقد كان النبيل الذي يتزعم طائفة من النبلاء، إذا غير تحالفه السياسي، فإن سائر أتباعه يميلون معه إلى العصبية وإلى حفظ المصالح. وازداد التسييس لاتساع الفئات التي تريد الإفادة من وصول الحزب إلى الحكم، وما يعنيه ذلك من منافع ومصالح، فأصبح الشعب بمجموعه مشاركا. فأصبحت العملية السياسية كلها تصنع في مطابخ محترفة ودائمة. وهذا معنى المؤتمر السنوي لكل حزب. لقد حل المناضل الحزبي محل الأعيان. فصار الناخبون والمناضلون آلة بيد زعيم الحزب. ولأن زعيم الحزب سوف يصبح رئيسا للوزراء فإن آلته الحزبية سوف تحصل على المناصب والأسلاب. فالبنية الحزبية تدار بطرائق الشركات دونما فلسفة خاصة، وفي انفصال شبه تام عن برنامج الحزب المعلنة، وأعماله الهادفة إلى الفوز بالانتخابات.
إن السياسة هي مثل جهد مثابر ونشط، فهذا العمل يتطلب الشغف والنظرة الثاقبة. والتنطح للمستحيل ليس جنونا. إنما الرجل القادر على بذل هذا الجهد ينبغي أن يكون زعيما بل بطلا. والذين ليسوا كذلك يكون عليهم التسلح بقوة النفس والعزيمة. إن السياسي الحق هو الذي يبقى قادرا بعد كل شيء وجهد ونتائج على القول: ومع ذلك، أو رغم ذلك سأظل أحاول. وكلمة فيبر الأخيرة: هذا السياسي وحده هو الذي يمتلك دعوة السياسة.

ليست هناك تعليقات: